ابتسم -قصة قصيرة- للكاتب الصحفي أحمد فوزي سالم- مصر

 ابتسم .. فأنت في حرم الجيش !

 أحمد فوزي سالم - مصر

 ذهبت لمنطقة تجنيدي لاستخراج شهادة إعفائي من الخدمة العسكرية، لاستكمال أوراق جواز سفري استعدادا لمغادرة بلادي،  ونسماتها الدافئة تراقص خيالي .. وحزني عليها يدمر عُذرية فؤادي .. بسبب ما يحدث من عبث .. وقتل .. وتدمير وإرهاب .. ومحاولة كسر وتشويه الكرامة العسكرية علي الحدود لجنودنا من أناسِ ينسبون أنفسهم للإسلام  زورا وبهتانا ً !
 تثاقلت خطواتي قبل أن أصل لمقر المنطقة العسكرية التي أتبعها، ولما لا .. فهنا علي الأرض العسكرية ـ لا سياسة .. لا نقاش .. لا فرز .. الجميع يتساوون في" الشخطة " من أصغر عسكري .
 ما أن قَرِبتُ من أسوار المنطقة العسكرية وجدت نفسي أبتسم .. وألتحف بحالة حب فوقية .. لا أعلم من أين، أهي من العلم المصري الشامخ في أعلي نقطة فوق بنيان المنطقة .. ولما لا .. فمجرد رؤية العلم بهذا الشموخ يجعلنا نُهيم في حب الوطن .. رؤيته بهذه الحالة الخفاقة تشعرنا "بالإجلال " ..  أم أنه سر الخلود للجيش المصري الذي يَسري حبه بدمائنا مهما اختلفنا مع قادته حول بعض المسارات السياسية التي تسببت كثيرا في حالة الضبابية التي نعاني من تأثيراتها لاسيما بعد ثورة 25 يناير،  وهو ما قد يُفسر منطقياً علاقة الحب السرمدية التي تجمع الجيش بالشعب  .
  أنهيت تساؤلاتي مؤقتاً .. ودخلت من الباب، وأنهيت أوراقي، ثم جلست و لا تزال الابتسامة تُغرق تفاصيل وجهي .
 وجدت نفسي فجأة وسط هذه الحالة الغريبة من السلام النفسي .. استرجع ذكريات ما يقرب من 10 سنوات، أيام وقوفي في نفس المكان الذي سعيت من خلاله للالتحاق بصفوف الجيش .. ولم أوفق ولحظي البائس .. لم أدخله حتي مجنداً بسبب ظروفي العائلية التي جعلتني علي رأس الأسرة بعد وفاة والدي، ولظروف صِغر أخي عني بسنين طويلة .. منعتني اللوائح العسكرية مُدججة برغبة أهلي بعدم الالتحاق بهذا الكيان الأسر للنفس .. والروح .. والجسد !
 وهكذا .. أطلق الجيش طلقة الرحمة كي يتفرغ أمثالي من أولياء الأسر لجهاد من نوعٍ أخر
  تذكرت أيام طويلة قضيتها هنا .. تحت نفس " التندات" مستمتعاً بنشوة العسكريين .. وزهوة خطواتهم، يسبح خيالي بأحلام القفز والجري خلف صفوف العدو .. تهاجمني أشباح " فتونة المراهقة " التي كانت تمتزج دائماً بالصرامة العسكرية .. التي تشربت بها جوارحنا .. نحن ـ جيل الثمانينات ـ من " الاختلاط الشرعي" بأفلام ـ الرصاصة لا تزال في جيبي  ـ وأغنية علي الممر ـ   خاصة أن الحظ لم يتحالف معنا كما يجب حتي يجعلنا نري أحلام البطولة علي العدو الصهويني ـ واقعاً ..لا مجرد أفلام ـ !
 ساعات مرت وأنا انتظر استخراج شهادة إعفائي نهائيا من الخدمة العسكرية، وذهني يموج بأغلفة الماضي .. خطفت خيالي سنواتٍ بعيدة مضت .. وجدت نفسي أهيم شوقاً .. وأتنفس عشقاً " بالبدلة الميري" .. انتابتني حالة حب وهيبة غريبة .. وجدت خلافاتي الشاسعة مع العسكريين اللذين رأيتهم من أهم أسباب تلويث المشهد السياسي وجعلوا خطواتي نحو منطقة تجنيدي تتثاقل .. خوفا من خلاف في غير محله .. ولا مكانه .. ولا أوانه .. تتلاشي نهائيا .. وكأن شيئاً لم يكن !
 ولكن .. لم أعرف بعد .. ما سر هذه البهجة التي تحيط بأفئدتي من جميع الاتجاهات !
  بعد وقت ليس ببعيد .. اكتشفت أن النظر للجيش من خارج أسواره .. يختلف جذريا عن مشاهدته من داخل إحدى قلاعه .
  أبُهة الوطنية الراسخة في معابد الحصون العسكرية التي كانت دوماً رمزاً لتدوين التاريخ في الحفاظ علي مقدرات الدولة .. هي التي تنثر علي الأغلب هذه الروح والهمة العالية .. والشعور بالامتنان والعرفان لهذا الجيش الأصيل .. وتزكي في النفس ـ حالة حب ـ  ربما قد تنتهي معك بالإجهاش بالبكاء دون أن تحدد .. ما السبب الواقعي لذلك !
  في تجليات هذه الخواطر .. تمنيت لو للحظة أن أدعو جميع النشطاء .. ومن يصبون اللعنات ليلا نهارا علي ـ العسكر والعسكرية ـ أن يذهبوا لأقرب معبد من معابد الجيش ـ حسبما أراها ـ  للاستسقاء من هذا الشعور الأفلاطوني بالحب المجرد .. لهذا الرمز الشامخ  .. الجيش
 فهناك لن تجد فى نفسك إجابة لهذا الشعور الوجداني " بالسعادة " إلا مجرد دعابة تأمرك خجلاً :
 ابتسم .. فأنت في حرم الجيش !

مدير تحرير جريدة زهرة التحرير- مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق