الإبتسامة المعلقة - مقال الشاعرة و الاعلامية كريمة عوض

الإبتسامة المعلقة

كريمة عوض
هل تريد هدنة؟ أنا أيضاً أريد، وأنا متأكدة من أنه هو أيضاً يريد.. فلا تصدِّق هؤلاء الذين يعلِّقون ابتساماتهم على وجوههم كل صباح قبل أن يخرجوا إليك، إنهم يتأنقون كأننا لن ننفُذَ إلى داخلهم كلما نظرنا إلى أعينهم المهزومة.
سمعت يوماً أن أكثر الناس ضحكاً ومرحاً أكثرهم تألُّماً وحزناً، وهذا ليس عيباً أبداً بالمناسبة، فالضِّدُّ بالضِّدِّ يُعرَف، ويَشفَى أيضاً، وقد تكون هذه أشهر وسيلة من وسائل المقاومة من أجل الحياة.
أنا شخصياً اعتدت أن أعلِّق ابتسامتى بين ملابسى، وأن أطويها بين أوراقى ودفاترى، وأضعها على خزانة أحلامى عندما آوى إليها كل مساء.
هى لا تفارقنى أبداً، حتى وأنا أتبارى مع قلمى كلما فتّشنا عن الأشياء بداخلنا حتى تستسلم فوق الصفحة البيضاء بعد كل مواجهة.
أعلم تماماً كيف يكون حالك وأنت مُجهَد يا صديقى، فما رأيك أن نفتح الباب لهذا الضِّدِّ الطازج النشيط الذى طالما انتظرك بالخارج؟ حتماً سيمنحك الراحة والأمان.
إن أردت أن تَحظَى بهما فعليك ببساطة أن تجيب عن هذا السؤال: ما الذى أتعبك؟ حروبك ومواجهاتك الخارجية، أم حروبك ومواجهاتك الداخلية؟
بالتأكيد لكل منهما ممرّ يؤدِّى إلى الآخَر، ولكن دعنا نفصل بينهما مؤقتاً الآن.
فإن كانت حروبك خارجية فهى ستنقسم بك بالتأكيد إلى حروب ومواجهات مع أشياء وحروب ومواجهات مع أشخاص.
أما الأشياء فحروبها سهلة ومقدور عليها، فنحن دائماً فى سلسلة متعاقبة من النجاح والفشل، فإن تَبدّل بك الحال إلى الأسوأ يوماً فلا تتوقف أبداً عن العمل على تحسينها ما دمت قادراً على ذلك، ففى العمل -على سبيل المثال- ستستطيع أن توفِّق أوضاعك مع منغصاته، التى لن تتوقف، وتأكد أنك تستطيع أن تروِّضها ما دمت تريد، وإن وصل بك الأمر إلى طريق مسدود فاسمعنى جيداً يا صديقى، ربما لم يكُن هذا هو العمل الذى ستنجح فيه، وعليك الآن أن تبحث عن عمل آخر يتناسب مع إمكانياتك ورغباتك، وحتماً ستنجح فيه أكثر. ولا تخشَ البدايات الجديدة، فلها جمالها الذى سيُصبِح جزءاً من ذكرياتك فى ما بعد. المهمّ ألا تخاف، وابدأ فورَ اتخاذِ القرار.
أما إن كانت مواجهاتك الخارجية مع أشخاص، فعلىّ أن أخبرك أنه حان الوقت فعلياً لأن تُمسِك معى الآن ورقة وقلماً وتصنِّف هؤلاء الأشخاص من حيث درجة الأهمية والقرابة.
اصنع جدولك بهدوء، فوفق هذا التصنيف يا صديقى ستستطيع حل المشكلة. إن كان هؤلاء الأشخاص ممن يمكنك الاستغناء عنهم ولن يؤثِّروا فى حياتك بخروجهم، فلا تتردد فى أن تُخرِجَهم منها فوراً، فهم لن يكونوا سوى عبء دائم يُرهِقُك بلا طائل، حتى إن كان إجهادهم معنوياً، وتأكد أنه بخروجهم سيُفسِحُون المكان لآخَرِينَ يستحقونه ويقفون على قائمة الانتظار.
أما إن كانوا وَفْقَ هذا التصنيف من أصحاب المقام الخاص فى حياتك، فاجلس إلى نفسك وابحث عن حلول واقعية لأزماتك معهم، ثم اذهب إليهم وناقشهم بهدوء، فربما تَغَيرت الأشياء ووجدتَ المخرج الصحيح فى اتجاه الهدنة.
هذا إذاً عن حروبنا الخارجية، ببساطة ودون تعقيد.
أما الآن يا صديقى فقد وصلنا إلى بحث الحروب الداخلية، وهى أزمات لا مفر منها، ولا ينبغى لنا تأجيلها.
حل هذه الأزمات الوحيد يكمن فى ثقافة المقاومة بالضِّدِّ، فإن اتجهَت بك مشاعرك نتيجةً لها نحو الحزن فاحمل لافتةً فوراً مكتوباً عليها «السعادة من حقِّى»، وقِفْ على الطرف المقابل وارفعها أمام مشاعرك. وأما إن تملكك اليأس فاحمل لافتة أكبر واكتب عليها «الأمل وجه الحياة الحلو»، واعلم يا صديقى الطيِّب أن كل الأشياء تمرّ ولا شىء يظَلّ على حاله، ومهما طال بقاؤه فسينتهى.
أنت فقط من يستطيع تغيير مسار المواجهة، لأنك وحدك القادر على رؤيتها والشعور بها.
وحينما لا تقدر يا صديقى -وكلنا لا نقدر أحياناً كثيرة- فلا تحزن، واذهب إلى هناك، قَبِّل الأرض بين يديه، حتماً هذا الإيمان الذى يملأ قلبك سيمنحك الأمان والسكِينة والقدرة على المحاولة من جديد، فأنت تريد الهدنة، وهذا هو مكانها الحقيقى كلما أُغلِقَت الأبواب، فلا تنسَ أن تُرِيحَ هذا الْمُتعَب داخلك هناك.. بعدها ستعرف كيف تُواصِل من جديد.
نقلا عن (جريدة الوطن) - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق